لدليل التفصيلي هو المقدور على تقريره وتفصيله ورد الشبه التي ترد عليه . وهو واجب وجوباً كفائياً لأن رد الشبه عن عقائد المسلمين واجب . وهو ينقسم إلى قسمين دليل حملي ودليل شرطي .
1ـ دليل صفة الوجود :-
دليل الوجود حملي وسمي حملي لأنه يحمل مقدمتين ، مقدمة صغرى ، ومقدمة كبرى . فالمقدمة الصغرى دعواها العالم الحادث ، والمقدمة الكبرى دعواها كل حادث لابد له من محدث فالمقدمة الصغرى سميت صغرى قيل لقلة الكلام عليها ، وقيل لكونها متعلقة بحدوث العالم . والمقدمة الكبرى سميت كبرى قيل لكثرة الكلام عليها ، وقيل لكونها متعلقة بوجود الله سبحانه وتعالي، والمتعِلق يشرف بشرف المتعلق .
فالمقدمة الصغرى تحتاج الى دليلين لأنها في قوة دعوتين ، دعوة حدوث الأعراض ، ودعوة حدوث الأجرام ، لان العالم مجموع أجرام وأعراض .
فدليل حدوث الأعراض مشاهدتها متغيرة من عدم الى وجود ومن وجود الى عدم ، وحركة وسكون ، وسكون وحركة ، وكل ما كان كذلك فهو حادث . ودليل حدوث الأجرام ملازمتها للأعراض الحادثة وكل ما لازم الحادث فهو حادث . ونظم الدليل هكذا :
في حدوث الأعراض : تقول الأعراض شوهدت متغيرة من حركة الى سكون ومن سكون الى حركة ، فكل متغير فهو حادث النتيجة الأعراض حادثة .
وفي دليل حدوث الأجرام تقول : الأجرام ملازمة للأعراض الحادثة وكل ما لازم الحادث فهو حادث النتيجة الأجرام حادثة ، والنتيجة الكبرى ا لعالم حادث بدليلي حدوث أجرامه وأعراضه .
وهذا كله اذا سلم الزائد على الأجرام ألا وهي الأعراض ، وأما اذا لم يسلم الزائد فإ ننا نحتاج الى المطا لب السبعة والتي ينجو بها المكلف من أبواب جهنم السبعة ان شاء سبحانه وتعالي ولا يعرفها الا الراسخون في العلم ، وقد نظمها بعض المتكلمون بقوله رضي الله تعالى عنه :ــ
زيد ما قام ما انتقل ما كمنا ما انفك لا عدم قديم لا حنا
فقوله رضي الله عنه : ( زيد ) فيها اشارة الى ما زاد على الأجرام وهي الأعراض .
وقوله : ( ما انتقل ) اشارة الى استحالة انتقال الأعراض من جرم الى اخر .
وقوله : ( ما كمنا ) اشارة الى استحالة كمون العرض في الجرم ثم ظهوره مرة اخرى .
وقوله : ( ما انفك ) اشارة الى استحالة انفكاك الأعراض عن الأجرام .
وقوله : ( لا عدم قديم ) اشارة الى أن الأعراض لو كانت قديمة لما انعدمت .
وقوله : ( لا حنا ) اشارة الى أنه لا حوادث لا أول لها كما قال الفلاسفة الذين يزعمون قدم العالم . فحدوث الأجرام يحتاج الى ثلاثة من هذه المطالب السبعة ، يحتاج الى اثبات زائد عليها وهو الأعراض ، ويحتاج الى إثبات الملازمة بينهما والى إبطال حوادث لا أول لها .
لان الخصم ربما يقول لا أُسلم أن هنالك شئي زائد على الأجرام حتي يكون دليلا على حدوثها فنبطله ، فنقول له ما من عاقل وإلا أنه يحس أن لذاته شيئاً زائداً عليها من حركة وسكون وإجتماع وإفتراق وقيام وقـــعــود وما شاكل ذلك . فيقول سلمنا ذلك ولكن لا أسلم ان هـــذا الشئ الزائــد مـــلازم للأجرام حتى يكون دليلاً على حدوثها . فنبطله بمشاهدة عــدم الإنفكاك لأنه ما شوهدت قط أن الأعراض منفكة عن الأجرام . فيقول سلمــنا ذلك ولــكن مع ذلك قد لا تكون دليلاً على حدوثها لإحتمال أن تكون الأجــرام قــديــمــة وهذا الشيئ الزائد الملازم حوادث لا أول لها لأنه ما من حــركة الا وقـبلها حركة وما من سكــون الا وقــبله سكـــون ، فتكـــون قديمة بالنــوع حادثة بالشخص مع قدم الأجرام ، قال الشيخ ابراهيم البيجوري رحمه الله رحمة واسعة :-
(نبطل ذلك بأمور كثيرة منها أن لا وجود للنوع إلا في ضمن شخصه ) فطالما ثبت الحدوث لشخص الحركة مثلاً لزم الحدوث لنوعها كله ولو كثر أفراده لأنه لا وجود للنوع الا في ضمن شخصه .
واما دليل حدوث الأعراض فيحتاج الى أربعة من المطالب السبعة وهي :-
إبطال قيام العرض بنفسه ، وإبطاله كمونه ، وإبطال انتقاله من جرم إلى آخر ، وإبطال كونه القديم ينعدم ، لأن الخصم ربما يقول : أن الحركة لما فارقت الجرم لم تكن معدومة ، فنقول له هل قامت بنفسها ؟ وقيام العرض بنفسه مستحيل . أوكمنت في محلها ؟ وهذا يؤدي الى اجتماع النقيضين ( السكون والحركة ) وهو محال .
أم انتقلت الى جرم آخر ؟ وهذا يؤدى الى قيام العرض بنفسه في لحظة الإنتقال وقد أبطلناه في ما سبق . إذاً الحركه لما فارقت الجرم إنعدمت ولو كانت قديمة لما انعدمت لأنه لا عدم قديم وهذه هي المطالب السبعه كما ذكرها العلماء العاملون المخلصون الراسخون في العلم .
وإذا ثبت حدوث الأعراض والأجرام بالبراهين القاطعة ، إذاً فالعالم حادث وكل حادث لا بد له من محدث وإلا حدث بنفسه ، وحدوث العالم بنفسه محال ، لأنه يؤدي الي أحد مستحيلين ، إما الترجيح بلا مرجح ، أو أجتماع التساوي والرجحان ، وهما محالان فما أدى اليهما وهو حدوثه بنفسه محال . اذن ثبت ضده وهو أنه لا بد له من محدث ومحدثه لا يكون إلا موجودا ، ولكن كونه محدث العالم هو الله سبحانه وتعالي لا يعرف الا عن طريق الرسل عليهم الصلاة والسلام .
قال العلامة الشيخ ابن عاشر رحمه الله تعالى : ــ
وجــوده له دليل قاطع *** حاجة كل محدث للصانع
لو حدثت بنفسها الأكوان *** لاجتمع التساوي والرجحان
وذا محال وحدوث العالـــم *** من حدث الأعراض مع تلازم
وأما القسم الثاني من أدلة الصفات هو الدليل الشرطي وسمي شرطي لوجود أداة الشرط فيه وهي ( لو لم ) وهو مركب من أقيسة وكل قياس مركب من مقدم وتالي ويحتاج الى استثنائية ، فوظيفة الاسستثنائية انها تبطل التالي وببطلان التالي يسري البطلان الى المقدم فتثبت النتيجة ، فان لم تظهر نتيجة القياس يحتاج الى تركيب قياس آخر ، فنأخذ التالي في القياس الأول فيجعل مقدم في القياس الثاني بعد إبطاله ، ويكمل بقية القياس فان ظهر وجه استحالة الاستثنائية في القياس الثاني ، وإلا فيحتاج الى قياس ثالث وهكذا حتى تظهر نتيجة الدليل ، ولا تظهر النتيجة الابوضوح وجه استحالة آخر استثنايئة في القياس الأخير فتبطل التالي في جميع الاقيسة ويسري البطلان الى جميع المقدمات فتبطل كل الأقيسة وتظهر نتيجة الدليل .