كان ولا يزال أكبر هم للمصلحين المسلمين الواعين أن ينشأ في الأمة جيل مسلم مؤمن جديد يستحق أن يسمى "جيل النصر" ، بإعتبار أنه أول ما تحتاج اليه أمتنا .
جيل يعود بالإسلام إلى ينابيعه الصافية ، ويفهمه فهما صحيحا متكاملا ، خالصا من الحشو والشوائب ، فليس هو إسلام عصور التخلف ، المكدر العقائد العبادات ، وغلبت على أخلاقه السلبية ، وطغى على فقهه الجمود والتقليد والعصبية المذهبية .
إنما هو الإسلام الأول ، الذي نزل به القرءان العظيم ، ودعا اليه الرسول الكريم ، وأمن به أصحابه الأطهار ، وحكم به خلفاؤه الراشدين ، وقامت على أساسه حضارة شامخة الذرا ، موثقة العرا ، وصلت الأرض بالسماء ، وقادت الدنيا بالدين ، وجمعت بين العلم واليقين .
إنه إسلام الحق والقوة ، إسلام العلم والعمل ، إسلام الجهاد والإجتهاد ، إسلام الشمول والتوازن .
إنه الإسلام الذي يؤكد الكرامة للفرد ، والترابط في الأسرة ، والتكافل في المجتمع ، والشورى في الحكم ، والتنمية للانتاج ، والعدالة في التوزيع ، والحقوق للجميع .
إنه الإسلام الذي يجعل حياة الفرد كلها لله ، فلا إزدواج ولا صراع ، فقد إتحدت غايته ، وتحددت وجهته ، واتضح طريقه : "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين" ، ويجعل حياة المجتمع كلها لله ، فلا يقبل قسمتها بين سلطتين متنازعتين : قسم لقيصر يسمى "الدولة" ، وقسم لله يسمي "الدين" ، فإن قيصرا وما لقيصر لله الواحد الأحد .
الإسلام الذي يدعوا إلى العدل ولو كان لصالح أعدى معاديه : "ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا ، إعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله" ، وينهى عن الإعتداء ولو كان على أشد شانئيه : "ولا يجرمنكم شنئان قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله" .
الإسلام الذي يقاوم إلحاد الشيوعية ، كما يقاوم طغيان الرأسمالية ، ويرفض صراع الطبقات ، كما يرفض تظالم الطوائف ويدعوا إلى التدين الذي ينبت الحب ، لا إلى الطائفية التي تنفث الحقد .
الإسلام الذي يقاوم ظلم الحكام ، وحكام الظلام . الذي يقول للحاكم : لا تظلم ، ويقول للشعب : لا تخنع . ويعلم المسلم أن يقول في دعائه : "اللهم نشكرك ولا نكفرك ، ونخلع ونترك من يفجرك" ، ويجعل أفضل جهاد : "كلمة حق عند سلطان جائر" .
الإسلام الذي ينتصر للضعفاء حتى يأخذوا حقهم من الأقوياء ، ويقاتل الأغنياء إذا امتنعوا من أداء حق الله المعلوم للفقراء .
ويحرض أبناءه على أن يقاتلوا "في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان" .
هذا هو الإسلام كما يفهمه هذا الجيل المنشود ، وكما يؤمن به وكما يدعوا إليه ، وبه أبصر عقله واستنار قلبه . بهداه يبصر الهدف ، ويبصر الطريق ، يعرف نفسه ، ويعرف ربه ، يعرف دينه ، ويعرف دنياه ، يعرف تراثه ، ويعرف عصره ، يعرف صديقه ، ويعرف عدوه ، ويعرف من ينير له الطريق ، ومن يريد أن يضله عن الهدف ، وأن يلوي زمامه عن سواء السبيل .