8/ الإرادة :ــ
الإرادة صفة وجودية قديمة باقية قائمة بذاته سبحانه وتعالي تخصص الممكن ببعض ما يجوز عليه علي وفق العلم ومن قولهم تخصص أخذ لها تعلقان علي المعتمد ، واحد تنجيزي قديم وواحد صلوحيٌ قديم ، فالتنجيزي القديم وهو إرادة الله سبحانه وتعالي خصصت الممكن ببعض ما يجوز عليه أزلاً ،
والصلوحي القديم وهو إرادة الله سبحانه وتعالي صالحة ٌ في الأزل لتخصيص الممكن بكل شئ ٍ مما جاز عليه .
والمراد من ( ببعض ما يجوز عليه ) الممكنات الستة والتي تقابلها ستة ، والتي أشار إليها العلامة الأمير رحمه الله تعالي رحمة ً واسعة ً ورحمنا إذا ألحقنا به بقوله :ــ
المــمكنات المــتـقـابلات وجـــودنا العـــدم الصفـــات
أزمنة أمكنة جــــهــــــات كــذا المقادير وروى الثقات
والمراد من ( بكل شيء مما جاز عليه ) الأقسام الأثنى عشر والتي هي الستة والتي تقابلها .
تنبيه :ــ
إعلم أن الأمر والإرادة متغايران ومنفكان خلاف للمعتزلة الذين يقولون ( إن الأمر والإرادة متحدان ومتلازمان ) وعليه فهم يقولون ( إن ربنا سبحانه وتعالي لا يريد الشرور ولا القبائح ، لأن إرادة الشر شر ، وإرادة القبيح قبيحة ، والأمر بما لا يراد سفه والعقاب علي ما أريد ظلم ٌ ، وربنا سبحانه وتعالي منزه عن الشرور والقبائح والسفه والظلم ) .
ولكن يلزم من هذه العبارة فساد ٌ كبير ٌ وهو وقوع أشياء كثيرة في ملكه سبحانه وتعالي وهو غير مريد لها ، وهذا إكراه والإكراه عليه مستحيل ، والاعتقاد الصحيح أن الأمر والإرادة منفكان ومتغايران خلافاً للمعتزلة ويظهر ذلك جلياً في أربعة صور وهي :-
1/ إن ربنا سبحانه وتعالي قد يأمر ويريد ، ومثل ذلك الإيمان في حق سيدنا أبي بكر ٍ الصديق رضي الله تعالي عنه فربنا I سبحانه وتعالي قد أمره بالإيمان وأراده له، وناهيك بإيمان سيدنا أبي بكر الصديق والذي قال الله سبحانه وتعالي فيه ( ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا )
2/ وإن ربنا سبحانه وتعالي قد لا يأمر ولا يريد ، ومثال ذلك كالكفر في حق سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله تعالي عنه فربنا سبحانه وتعالي لم يأمره بالكفر ولم يرده له ، بأن مات مؤمناً رضي الله عنه وأرضاه تفضلاً منه تعالي ومنة ًفلله الحمد والشكر علي ما أسدى من النعم.
3/ وإن الله سبحانه وتعالي قد يأمر ولا يريد ، مثال ذلك كالإيمان في حق أبي جهل لعنه الله تعالي أ مره الله تعالي بان يؤمن ولم يرد له الإيمان بأن مات كافراً ،وهو فرعون هذه الأمة ، إذ ورد أن لكل أمة فرعون ، وفرعون هذه الأمة أبو جهل عمرو بن هشام عليه لعنة الله تعالي والذي أنزل الله فيه قوله:ــ ( خذوه فاعتلوه إلي سواء الجحيم * ثم صبوا فوق رأسه من الحميم * ذق إنك أنت العزيز الكريم ) .
4/ وإن ربنا تعالي قد يريد ولا يأمر ومثال ذلك كالكفر في حق أبي جهل لعنه الله إذ أرد له الكفر بأن مات كا فراً عدلاً منه سبحانه وتعالي ( فلا يسأل عما يفعل وهم يسألون ) ولم يأمره بالكفر جلّ شانه وعظم سلطانه وتنزه بكماله وجلاله وجماله .
وحكي أن القاضي عبد الجبار الهمداني المعتزلي دخل يوماً علي الصاحب بن عباد وعنده الأستاذ أبو إسحاق الأسفرائني فلما رأى الأستاذ قال ( سبحان من تنزه عن الفحشاء ) ، فقال الأستاذ ( سبحان من لا يقع في ملكه إلا ما يشاء ) فقال عبد الجبار ( أيشاء ربنا أن يعصى؟) فقال الأستاذ( أيعصى قهراً عليه ؟) فـــقـــــــال عبـد الجــبـــار( أرأيت إن منـعـني الهدى وقضى علي بالردى أأحسن إليَّ أم أساء ؟ ) فقال الأستاذ:ــ
( إن منعك ما هو لك فقد أساء ، وإن منعك ما هو له ، فيختص برحمته من يشاء ) فبهت القاضي عبد الجبار عن الجواب ولزمته الحجة ببطلان معتقده أن الأمر والإرادة متحدان ومتلازمان .
ومثل ذاك يروى أن إبليس لعنه الله سبحانه وتعالي جاء إلي الإمام الشافعي رحمه الله I فقال يا إمام ما بالك فيما خلقني فيما أختار واستعملني فيما أختار وبعد ذلك إن شآء أدخلني الجنة وإن شآء أدخلني النار، أعدل في ذلك أم جار ؟ . فأطرق الإمام رأسه ملياً ثم قال ( يا هذا إذا خلقك لما تريد فقد ظلمك وإذا خلقك لما يريد فلا يسأل عن ما يفعل ، لأنه فاعل بالاختيار المطلق لثبوت القدرة والإرادة له سبحانه وتعالي ) فقال إبليس لعنه الله تعالي لم تخرج مني إلا بعلمك فبمسألتي هذه رجعت سبعين ألفا من ديوان العبودية إلي ديوان الزندقة نعوذ بالله الكريم من مكائد الشيطان الرجيم .